يوم المرأة العالمي- صمود وإصرار في وجه التحديات

في الثامن من مارس من كل عام، يشهد العالم احتفالًا مهيبًا باليوم العالمي للمرأة، هذه المناسبة السنوية هي بمثابة تكريم لإرادة المرأة الصلبة، وتسليط للضوء على التحديات الجسام التي تواجهها في مختلف أصقاع المعمورة.
في عام 2024، تتجلى أمام المرأة باقة متنوعة من التحديات، حيث تعاني العديد من الدول من وطأة الصعوبات الاقتصادية والأزمات السياسية، وهي أمور تنعكس سلبًا وبصورة مباشرة على حياة المرأة؛ فالمرأة تواجه كل يوم مصاعب جمة من أجل إعالة نفسها وأسرتها، وتحقيق الاستقرار المادي والمعنوي.
وعلى الرغم من تلك الصعاب، تظل قدرة المرأة على الصمود والثبات تبعث على الإعجاب والتقدير؛ إذ تتكيف الكثيرات مع الظروف القاهرة، وفي خضم هذا الواقع، تظهر النساء كقوى دافعة للتغيير الإيجابي والتنمية المستدامة، فهن يسعين بدأب لتحقيق التمكين الاقتصادي والاجتماعي المنشود لأنفسهن ولمجتمعاتهن بأكملها.
على مر العصور، برهنت المرأة أنها قادرة على التأثير الفعال والإبداع المتميز في شتى الميادين، وذلك على الرغم من العوائق والقيود التي تعرقل مسيرة تطورها وتقدمها، وتحد من طموحاتها.
من النضال إلى الاحتفال
تعود جذور الاحتفال بيوم المرأة العالمي إلى بدايات القرن العشرين، تلك الفترة التي كانت فيها المرأة تعيش ظروفًا معيشية قاسية في قطاعات العمل المختلفة، حيث كانت تعاني من الظلم والتمييز المجحف.
في الثامن من مارس عام 1908، قامت نخبة من النساء العاملات في مدينة نيويورك بتنظيم مسيرة احتجاجية حاشدة، للمطالبة بتحسين ظروف العمل المتردية، ورفع مستوى الأجور، وتحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين في جميع الحقوق والواجبات.
في السنوات اللاحقة، واصلت الحركة النسائية نضالها المستمر من أجل تحقيق حقوقهن المشروعة، وتحسين ظروف العمل الصعبة، وبدأ الاحتفال بيوم 8 مارس باعتباره يومًا مخصصًا للنضال المتواصل من أجل حقوق المرأة، وتحقيق المساواة المنشودة بين الجنسين في كافة المجالات.
وعلى نحو مماثل لما حدث في الولايات المتحدة الأميركية، انعقد في مدينة كوبنهاغن بالدانمارك عام 1910، مؤتمر دولي خاص بالنساء العاملات، برئاسة المناضلة الاشتراكية كلارا زيتكين، وشارك في هذا المؤتمر نحو 100 امرأة من 17 دولة مختلفة، وقامت زيتكين خلاله بتقديم اقتراح هام بتحديد يوم عالمي للمرأة، يُخصص للنضال من أجل تحقيق الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمرأة، وقد حظي اقتراحها بموافقة بالإجماع من جميع المشاركات.
وفي العام الذي تلاه، وتحديدًا في 19 مارس 1911، احتفل ملايين الأشخاص في كل من النمسا والدانمارك وألمانيا وسويسرا باليوم العالمي الأول للمرأة، وفي عام 1913 تم اتخاذ قرار رسمي بإعلان الثامن من مارس يومًا عالميًا للاحتفال بالمرأة وإنجازاتها.
وفي عام 1975، اكتسب هذا الاحتفال زخمًا عالميًا، وذلك بعد أن قامت الأمم المتحدة بالاحتفال به رسميًا، ومنذ ذلك الحين، أصبحت الأمم المتحدة هي الراعي الرئيسي لهذا الحدث السنوي، مع اختيار موضوع مختلف في كل عام، بهدف تسليط الضوء على قضايا المرأة المختلفة.
الاستثمار في المرأة
تتنوع الشعارات التي يتم إطلاقها في اليوم العالمي للمرأة في كل عام؛ ففي عام 2022 كان الشعار هو "المساواة بين الجنسين اليوم من أجل غد مستدام"، وفي عام 2023 كان الشعار "الرقمنة للجميع: الابتكار والتكنولوجيا من أجل المساواة بين الجنسين"، أما شعار هذا العام فهو: "الاستثمار في المرأة: تسريع التقدم".
يهدف هذا الشعار إلى إبراز النقص الشديد في الاستثمار في الجهود الرامية إلى تحقيق المساواة بين الجنسين، وهو الأمر الذي يعد ركيزة أساسية لبناء مجتمعات شاملة للجميع، فتقدم المرأة يعود بالنفع على المجتمع بأسره.
وبحسب تقرير جديد صادر عن الأمم المتحدة في السابع من شهر سبتمبر/أيلول عام 2023، فقد أكد التقرير على الحاجة الملحة إلى استثمارات إضافية تقدر بنحو 360 مليار دولار أميركي سنويًا؛ وذلك من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة من خلال تحقيق الأهداف العالمية الرئيسية بحلول عام 2030.
كما أظهر تقرير الأمم المتحدة أيضًا، أن الفجوة بين الجنسين في السلطة والمناصب القيادية لا تزال متأصلة، وأنه في ظل المعدلات الحالية، سيقضي الجيل القادم من النساء في المتوسط 2.3 ساعة إضافية يوميًا في الرعاية غير مدفوعة الأجر، والعمل المنزلي الشاق، مقارنة بالرجال.
ألوان الاحتفال
في عام 1908، استخدم الاتحاد الاجتماعي والسياسي للنساء في المملكة المتحدة ثلاثة ألوان مميزة لتمثيل قضيته: وهي "الأرجواني والأخضر والأبيض": فاللون الأرجواني يرمز إلى العدالة والكرامة والولاء للقضية، في حين يرمز اللون الأخضر إلى الأمل والتطلع إلى مستقبل أفضل، والنضال المستمر من أجل تمكين المرأة وتعزيز المساواة بين الجنسين، أما اللون الأبيض فهو يمثل النقاء والبراءة، وكذلك السلام والتضامن بين جميع الناس من مختلف الأجناس.
تستخدم هذه الألوان المميزة في الزينة واللافتات والملصقات خلال فعاليات يوم المرأة العالمي، ويعد استخدام الألوان الخاصة بهذا اليوم وسيلة فعالة لرفع مستوى الوعي بقضايا المرأة المختلفة، وتعزيز التفاعل الإيجابي والمشاركة الفعالة في النضال الدؤوب من أجل تحقيق حقوقها المشروعة.
التحدي الأقسى في فلسطين
يوم المرأة العالمي هو فرصة سانحة لتسليط الضوء على قضايا المرأة في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الظروف الصعبة والتحديات الجسام التي تواجهها، وخاصة المرأة الفلسطينية الصامدة، التي تواجه واقعًا مريرًا مليئًا بالتحديات والصعوبات المتزايدة؛ وذلك نتيجة للظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية القاسية التي تحيط بها من كل جانب.
بدءًا من القيود المشددة على الحركة والتنقل، ووصولًا إلى الاعتداءات الوحشية والاعتقالات التعسفية، وتعرضها لممارسات قاسية وظالمة من قبل سلطات الاحتلال، بالإضافة إلى الظروف المعيشية القاسية، والفقر المدقع الناتج عن الاحتلال الغاشم.
ومع ذلك، فهي مستمرة في مواجهة هذه التحديات بكل قوة وعزيمة وإصرار، وتظل مصدر إلهام وتأثير قوي في نفوس النساء حول العالم، وتجسد معاني الصمود والتحدي.
لذا، يعتبر يوم المرأة العالمي فرصة قيمة لإظهار التضامن الكامل مع المرأة الفلسطينية، وتقديم الدعم اللازم لها في مواجهة التحديات التي تواجهها؛ لأن تعزيز دور المرأة وتمكينها بشكل كامل ينعكس بالإيجاب على المجتمع بأكمله، ويساهم بشكل فعال في بناء عالم يسوده العدل والسلام والمساواة.
